الجمعة، 22 أبريل 2011

كلاكيت أخر مرة

كلاكيت أول مرة :


حياتي قصة جديدة لا أعرف لها نهاية , يفاجأني المخرج بأنه يريدني أن أقف و ظهري إلى الكاميرا
لا أعترض...أنا في الأصل أكره الوقوف أمامها , أقل لنفسي لربما شعر هو بهذه المشاعر السلبية تجاه كاميرته فقرر أن يتفادى ممثلة أجبر على اخراج فيلمه بها
يضحك و هو يخبرها بأن ظهرها أعرض مما توقع...كان يريد فتاة أجمل ..ربما أصغر منها حجماً ...فتاة تصلح للوقوف أمام الكاميرا
و لكن لا مفر...هذه هي الممثلة الوحيدة المتوفرة , و التي عليها أن تلعب كافة أدوار الفيلم ...ربما لهذه كرهها و كره أن يمنحها ضوء كاميرته و أحداث قصته كاملة

كان يعطيها القليل من التفاصيل , يمنحها القليل من الغرباء و يستنفذ منها كل ما تملك من طاقة لربما يظهر في وجهها شيء يدفعه أن يطلب منها أن تمنح وجهها لكاميرا تكرهها...لأحداث مكررة كانت كل ما يمنحها يظل يعيد ذات المشهد مراراً و تكرراً, كأنه يجري لها تجربة إداء ليتحقق من مدى صلاحيتها لفيلمه ...في كل مرة تفشل ف يتأكد من أنها غير مستعدة و يعيد المشهد من جديد

تعطي ذات الإنطباع

يغضب , يغضب

و يقرر أن يعيد المشهد مرة أخرى بتفاصيل مختلفة و أشخاص أخرون , لعلها تنخدع , و لكن يبقى المشهد ذاته في جوهره...يمنحها نفس إعراض الالم التي منحها سابقه...يتركها فارغة , لا جديد فيها , بذات الملامح و رد الفعل بل ربما أسوء

تحاول أن تتدارك الموقف و تعود لتبتسم و لكنه يرفض أن يراها , بل يغضب عندما يراها و يخبرها بكل حزم و غضب أن إبتسامتها تفسد إيقاع المشهد...و يقرر أن يعيده عليها من جديد , و لكن هذه المرة دون الإبتسامة

"لا تحاولي أن تظهري شيئاً لا إمليه عليك أنا"

تصمت , تدير ظهرها للكاميرا و تعيد المشهد في صمت

شخص جديد يدخل ...يعبث...يضحك...ينظر لها و ينتظر منها أن تنظر في أتجاه محدد قد وضع هو علامة "أكس" كبيرة عليه حتى لا تنسى...و لكنها تتجاهل الأحداث المكتوبة مسبقاً و تقرر أن تنظر للشخص في عينيه , بل تضع كل ما تحمل من طاقة في هذا المشهد بالأخص

يقطع عليها المخرج نظرتها المطولة و يطلب من الممثل الرحيل
"العيب في الممثلة يا أستاذ و ليس الممثل"
يحاول أن يخبره عامل الإضاءة الذي أيضاً يكرهها , و لكن المخرج يبتسم ربع إبتسامة و يخبره أنه لا مفر...لا يوجد أمامه سواها و عليه أن ينهي الفيلم قبل موعد محدد و إلا لن يكون هناك شيئاً ليعرضه على الجمهور

تخفي غضبها من عامل الإضاءة و المخرج و الممثل الذي رحل و الكاميرا و تدير ظهرها إستعداداً لإعادة المشهد


لدائماً أخبرها والدها أنها تملك الكثير من القدارت التي يحلم الكثيرون بإمتلاكها , و عندما كانت تقرأ , كانت تخبرها معلمتها أن لها طريقة رائعة في سرد أحداث الكتاب الممل...هكذا أيضاً كانت تخبرها مدرسة الموسيقى عندما تغني
و لكنها توقفت عن الغناء و قراءة القصص بصوت عالي و نضجت بالشكل الذي لا يدع والدها يتدخل في أي من الأمور
أصبح عليها الآن أن تتعامل وحدها مع هذا المخرج ..مع الورق الذي تحمله بين يدها...بل أنه أخبرها أنه لن يستطيع أن يثق بها و يعطيها ماتبقي من السيناريو و عليها أن ترتجل

كيف و هو لايزال مصمم على وضع علامة "الأكس" الكبيرة...و لايزال يخبرها أن لها ظهر أعرض مما يريد و أنه كان يتمنى لو كان لها شعر أسود طويل و ليس لها ذاك الهوس بالألوان !

كيف تفعل كل ذلك..كيف تخبره أنها لاتزال تحمل صوتها و تستطيع أن تغني له ربما يحبها و هو دائماً يجبرها على إدارة ظهرها لكاميرته

و هو دائماً يتجاهلها


Cut :

تجتاحني فكرة غريبة أنني لست وحدي...ليس بالمعني المتعرف عليه , أن لي في هذا العالم أشخاص ينتظرون وجودي و يهتمون به , و لكن بمعني أخر

أشعر أن هناك كاميرا صغيرة تراقبني...ترصد تحركاتي...و تضعني في كادر صغير يحيط أعلاه و أسفله مستطيل أسود
تنتظرني , تلتقط لي صورة ثابتة , لا يتحرك فيها سوى جفون عيون تغمض في سرعة و تعيد لتنفتح مرة أخرى على ذات المشهد
أحيانا تصاحب مشاهد فيلمي القصير موسيقي تعبر عنه و أحياناً تصبح موسيقى مزعجة تبعث تفاصيل الحدث المهيبة في قسوة و تعالي

المخرج يكرهني و لكني أحبه...أحياناً أشعر أن كل تلك السلطة التي يمارسها على ملامح وجهي الذي لا يحب مغرية , و أحياناً أخرى أشفق عليه لأنه يبحث في عن شيء لا أملكه بينما يمكنه أن ينظر إلى أشياء أخرى أفضل منها

و لكنه مسكين...يريد صورة ما قد رسمها مسبقاً في خياله المتعب و لا يجدها
طفل ضائع..يريد نهاية تناسب عبثه


أتذكر تلك الليلة التي أجبرني فيها على الوقوف صامتة في وسط حفلة عظيمة الكل فيها يرقص
كان يريد , في تلك اللحظة , لعلامات التعالي و الرقي أن ترتسم بوضوح على ملامحي المرهقة و لكنني صدمته بملامح حزينة
أحب الرقص و الغناء و الألوان...أريد أن أخرج مع الجمع في حلقة الفرح الصاخبة و أرقص حتى أسقط

و لكنه يريد فتاة أكثر جمالاًَ و أتزاناً

مسكين...حقاً

يوقف الكادر و الرقص و الغناء و يطلب إعادة المشهد بقليل من الألوان و الأحداث و بموسيقى مختلفة لربما تدفعني للإستجابة و لكني أسقط...تماماً كما كنت أريد

لم يكن يعي أن داخل عقلي الصغير , يُصنع فيلمي أنا الخاص
و أنه لربما كان الوصول إلى فيلم موحد , أقل في أحداثه و أكثر في تفاصيله , سيوصلنا معاً إلى الشهرة


أكشن , كلاكيت أخر مرة , :

يطلب مني أن اعطي وجهي للكاميرا
برفق شديد , أرفض
أحرص على تثبيت قدماي بالأرض الرملية و أحاول الأنتماج مع اللحظة حتى لا تظهر علامات عدم الإرتياح واضحة ف كادر النهاية
يتكلمون جميعاً عن أضاءة غير مناسبة و ألوان كثيرة قد لا تتناسب مع الحكمة التي يريد أن يرسلها لمشاهده الكريم

يطلب مني أن أخلع جاكتي الأصفر
برفق شديد , أرفض

بصوت منخفض , يخبرها أنه لا يشعر بأننا قد نعمل معاً مجدداً...سينتهي من مشهد النهاية و "كل واحد يروح لحاله "
إبتسامة صغيرة ترتسم على وجهي , و بحركة صغيرة من أصابعي أصدر صوت .." القلوب عند بعضها"

يبتلع الأهانة المستترة
و يصمت

يتراجع بضع خطوات إلى الخلف في محاولة لجعل الإضاءة تتناسب و جاكتي الأصفر الذي بات يكره
أصبحت لحظتها على يقين بأنه لن يحصل على كادر نهاية يرضيه

و كان ذلك بالنسبة لي أكثر من كافي

يطلب مني أن أرجع إلى الخلف بضع خطوات
برفق شديد , ارفض

يعلو الصوت و يأخذ نبرة أمرة
من جديد , برفق شديد , أرفض


:كلاكيت , أخر مرة

ف تلك اللحظة التي كنت أسمع فيها صوت دوران الشريط الأسود , كنت على يقين بأنه قد يحصل الآن على كادر نهاية يرضيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق