الثلاثاء، 14 يوليو 2009

"نون"..... لسحر الموجي

"عندما كنت علي وشك الأنهيار ...جاءت لتحي في شيء كنت علي وشك فقدانه لأعود أبحث عن "نون"ي و أحول الوصول ألي نقطة المنتصف... نقطة ال"نون"

سأبد كلماتي الضئيلة كما بدأت الأستاذة سحر الموجي رائعتها "نون".... سأبدا من نقطة مضيئة
نقطة أيمان يزداد في نفسي و أنا أتوغل في تجربة فريدة من نوعها ....أيمان بأن هناك من الأديبات المصريات من قدر لهن الدخول ألي قائمتي المتواضعة للكتاب المفضليين
نقطة أيمان بأن هناك من النساء المبدعات من بقيت عليهن هذه الأرض الخمرية ...هناك من النساء من تستحق أن تتوج علي عرش الأبداع مع من توجوا
فلقد كنت علي وشك الوصول ألي درجة يائسة من اليأس في أنه ليس هناك من الأديبات المصريات المعاصريين من ستتمكن من الوصول إلي درجة الأبداع التي وصلت إليها "عزازيل" أو "يوتوبيا".... أنه لن _ولن أبدا_ يوجد من سستمكن من الجلوس بالقرب من الأستاذ "نجيب سرور" في قلبي.... و لكن جاءت الأستاذة سحر الموجي لتثبت لي أنه هناك من الأديبات المصريات من تستطيع أن تحتل مرتبة عالية في عقلي و حتي تنحت فيه أسمها و تطعمه بالذهب....

"نون" تعد من التجارب القليلة التي يمكنها أن تغير فيك ....تضحكك و تبكيك و تلعب بأعصابك و تدفئك ثم تأخذ منك هذا الدفء.... تعطيك من المشاعر ما تعطيك و تلهمك ...
تكئبك تارة ثم تعود لتبث فيك الأمل ....تنتقل بك من مكان ألي أخر فتتخيل أنك واحد من هؤلاء الأصحاب الأربعة....
لا أعلم كيف و لكني ظللت أقرأ كل كلمة منقوشة بفرشاة مبدعة مرة ثم أعيد قرأتها مرة أخري فيرجع صداها لأسمعه بصوت مختلف يغير في ما يغير ....و لطلما كانت أفضل التجارب الأدبية -بالنسبة لي- هي التجارب الأدبية التي تغير في خلال قرأتي لها تعطيني من أفكارها أفكار و من أحلامها أحلام ...تجدد المشاعر في و أشعر معها بطعم جديد للأشياء
و حقا ان "نون" هي من أكثر التجارب -بعد أعمال العبقري "نجيب سرور"- التي تمكنت من الوصول ألي أعلي درجات التجارب الأدبية عمقا شكلا و موضوعا

بالرغم من شدة بساطة الفكرة التي تدور حولها الرواية ألا أن ما جائت به سحر الموجي علي لسان أبطال تحفتها الأبداعية جاء ليمس كل الجوانب الأنسانية المعقدة ....جاء ليمس المشاعر العميقة المظلمة داخلي ....يحثني علي البحث عن ذاتي...
جاءت كل شخصية تحمل في جوانبها جانب مني و من كل أنسان ....تحمل جنوننا.... تحمل أحسيسنا المعقدة.... خباينا و أحلامنا ...حتي عيوبنا ...جاءت لتعبر عني و عننا بشكل أو بأخر... فمست في ما مست

شخصية "سارة" الأستاذة الجامعية الدارسة للفلسفة.... مشاعرها و أيامها ....علاقتها المتغيرة و المعقدة ...
فلسفتها في حياتها و تدخلها الأيجابي في حياة أصدقائها الثلاث.... قوتها و صلابتها التي ظهرت بجانب رقتها و مشاعرها الجياشة....
"سارة" التي لعبت الحضارة الفرعونية جزء كبير في تكوين شخصيتها و بالتالي في سياق الرواية فزادت من سحر هذا العمل الخلاب سحر....
"نورا" التي شعرت معها بدفء حبها لزوجها "خالد" ....بلمسة يد و مشاعر رقيقة جياشة و محببة.... ثم شعرت بالتعاطف معها فيما تمر به من تقلبات و ضغط فرأيت فيها شخصيات مروا علي حياتي ....ثم غضبت منها عندما أستسلمت في النهاية لحزنها فرأيت فيها أشخاص أخريين أعرف قادهم الحزن ألي الأستسلام و رؤية لاشيء سوي القبيح الأسود الداكن و الغباء في حياة لا تستحق المحاولة....
ثم "حسام" الرجل الوحيد في دائرة من أربع أصدقاء و الذي شعرت معه برغبة شديدة في الحصول علي صديق مثله ....تعقيدات شخصية حسام و ما يحمله من متناقضات مشاعره المتداخلة و أحساسه بالضياع في أوج نجاحه ...رغبته في العثور علي الحب ...الشعور بالدفئ و الأحساس الأمان ...و مصريته الشديدة و وطنيته المبهرة...
كلها أشياء ساعدت علي دخول شخصية حسام إلي قلبي .... فرسمت له ملامح و أعطيت لصوته نبرة و ضحكت علي دعابته و أسلوبه البسيط في الكلام
و بالرغم من أن لشخصية حسام عيوب جذرية و خطيرة ألا أنني مع كل ذلك أحببت هذه الشخصية المعقدة بعيوبها....
أما دنيا فهي الأقرب في دائرة الأربع ألي قلبي ...هذه الفتاة الفلسطينية الأصل... "الثورجية" ....المندفعة ...هذه الفتاة المتمردة البسيطة التي تركت الحياة تحركها كما تريد فنسيت ما تحب حتي وجدت نفسها...
أحببت دنيا كثيرا... رأيت فيها الكثير ....تشابهنا كثيرا و رسمت لها في عقلي ملامح تشبهني... تعاطفت معها فيما تمر به و شعرت براحة بالها و سعادتها ثم وضعت صورتها التي رسمت في أطار فضي في قلبي....

هؤلاء الأصدقاء الأربع الذين تمكنت سحر الموجي من رسم شخصيتهم بأروع و أبدع الكلمات فصاروا شخصيات ناطقة ملموسة شخصيات حقيقة جعلني أشعر و كأنني أعرفهم حق المعرفة منذ زمن بعيد فأحببتهم و أحببت تجمعاتهم و أسعدتني فكرة أن أكون الصديقة الخامسة..... الصديقة التي تراقب تجمعاتهم من بعيد و تبدي تعليقات غير مسموعة..
أحببت الأصدقاء الأربع...
أحببت ذوقهم الرفيع في الموسيقي و الأغاني التي تخللت الأحداث في أبداع تام...
القطع الشعرية المنتقاة بعناية و التي تمكنت سحر الموجي من وضعها في أماكنها الصحيحة و المناسبة بأتقان شديد....
قدر الثقافة الذي أظهرت في الفقرات المقتبسة عن كاهنة و فراعنة قدماء جاءت لتكمل أحاديث الشخصيات الحميمة بشكل يقشعر البدن و يجعلك تري الأشياء و الأحاديث بمنظور ثاني مختلف و عميق ...

و مع كلن و بالرغم من أعجابي الشديد بهذه التحفة الأدبية ألا أنها لم تخلو مما أزعجني.... فلقد أزعجني كثيرا الجو العام الذي يعيش فيه الشخصيات ...المحرمات بجميع أشكالها و المباحة بشكل غير منطقي...
الخمر الذي ظهر موازي في أباحته للمياه... المخدرات و العلاقات الغير شرعية التي سيطرت علي معظم العلاقات الموجودة في الرواية...
شعرت و كأنها لا تتكلم عن أشخاص مصريين ....عرب ثلات منهم نساء في مراكز مؤثرة ....أحدهم أستاذة جامعية و أخر صحفي....
نبرة التحرر الزائد هي أكثر ما أزعجني ....سحابة المحرمات التي خيمت علي الروايةة أشعرتني بشيء من عدم الراحة و الضيق....

و لكن في النهاية ها أنا أقرأ "نون" للمرة الثانية ....أكتشف فيما بين سطورها أحاسيس جديدة و معاني أعمق....
أرها للمرة الثانية بعين أكثر وعيانا و تصفحا لأرها أكثر تألقا...
أركز أكثر في كلام سارة فتتبين لي عبقرية كلماتها الفلسفية العميقة...
أتعاطف أكثر مع نورا و يؤلمني ضعفها...
أحب حسام أكثر و أبتسم لنبرته الساخرة و يلفت أنتباهي أنتمائه بصورة أعمق...
أتقرب أكثر من دنيا فأري تشابه أكبر بيننا فأشعر بها تتغلل ألي داخلي و تحتل منزلة أعلي في قلبي...

أحببت نهاية "نون" المفاجأة و التي ظهرت نضج سحر الموجي الأدبي و الأنساني
ف"نون" هي عمل فني أبداعي و تجربة تستحق أن تخضها أنت بنفسك و تستمتع بها لتغيرك و تضيف ألي عقلك و قلبك الكثير

من "نون" أقتبس:
"عندما نظن أننا هنا بمحض الصدفة نتحول إلي حبات مطر تنزلق علي سطح رخام أملس لا تترك ورائها علامة أو تصب في تربة قد تنبت ربيعا أو قمحا للصغار أما لو فتحنا عين الرؤية عين "حتحور" و أستبدلنا بها عين النظر لرأينا ألف معجزة صغيرة تحدث في كل اللحظات كانت تحدث و نحن عميانا"

"أن كان في قلوبنا خوف فهو خوفنا
و إن كانت هناك هاوية فهي من صنع إيدينا
و أن كانت مخاطر فعلينا أن نحبها
يا ابنتي ربما كل التنانين في حيواتنا لسن
إلا أميرات فاتنات
ينتظرن رؤيتنا نقدم علي الفعل
و لو لمرة واحدة
بنبل و شجاعة
ربما كل ما يخيفنا هو في أقصي عمق منا
ليس إلا بلا حول ينتظر كحبتنا "
"جزء من قصيدة "أن كان ...محبتنا" من الرسالة الثامنة من "رسائل لشاعر شاب" للشاعر الألماني ريلكه"

"عندما تكون الحياة كلها أنصاف أشياء أليس من حقنا أن نسعي إلي شيء واحد مكتمل في دوائرنا القريبة ! "

"يبدو أن أستغرقنا في ألمنا الخاص يعمي أعيننا عن أن الأخرين قد يعانون ألما مشابها أي سذاجة تجعلنا لا نري !"

"شعرك الذي كان ينبض علي وسادتي
كشلال من العصافير
يلهو علي وسادات غريبة
يخونني يا ليلي
فلن أشتري له الأمشاط المذهبة بعد الأن
سامحيني أنا فقير يا جميلة
حياتي حبر و مغلفات و ليل بلا نجوم
شبابي بارد كالوحل
عتيق كالطفل
طفولتي يا ليلي ألا تذكرينها"
"قصيدة حزن في ضوء القمر للشاعر محمد الماغوط"

الأربعاء، 1 يوليو 2009

الرجل الكامل الذي أحب....!!

أخذت تراقبه و هو نائم... تعودت أن تستيقظ قبل معادها الصباحي فقط حتي تسترق النظر إلي وجهه البريء و هو نائم ...كم تحبه ....كم تعشق هذا الوجه الدائري الطفولي... كم تحب يداه... أصابعه ....أستراقها اليومي للنظر إليه جعلها تحفظ كل ذرة فيه فأحبته أكثر من أي وقت مضي ....لما لا و هو من أعطاها الدفء و الحنان الذي تفتقد ....فلا تظال تذكر هذا الشاب الوسيم المستند علي عكازه الذي رفض بمنتهي الرقة و اللطف مساعدتها في أرشاده إلي طريقه قائلا "أن هناك من التائهيين من يحتاج هذه المساعدة أما أنا فلست تائها"...
في البداية شعرت بالأهانة ثم تذكرت أن هذا هو حال كل من فقد حاسة من حواسه ...دائما ما يغمرهم الكبرياء و لكن كبريائه كان مختلف... كبريائه كان مهذب رقيق و هاديء ....هو كان و لايزال مهذب رقيق و هاديء ....
نعم شعرت بشيء مختلف تجاهه ...شيء غير الأحساس بالشفقة ...كان وراء أهتمامها بأمره و رغبتها في مساعدته شيء أخر سوي تأديتها لدورها كمتطوعة في هذا المكان ....كانت تجذبها ملامحه ...وجهه البشوش الذي لا تغادره أبتسامته الواتقة الرقيقة ....عيناه العسليتيين البراقتان اللذان لم تراي لهما مثيل في حياتها...
شعرت تجاهه بشيء مختلف ...أهذا هو ما تخافه ؟!.... لم تعلم و لم تسأل نفسها ما هذا الذي تشعر به و يدفعها إلي تأمله لساعات حتي جاء إليها في يوم بخطوات ثابتة ...مال عليها ثم همس في أذناها
" أنا أيضا أتأملك بالساعات و كم أنتي جميلة"
ثم ذهب

ماذا ؟؟!! ...كيف ؟؟!! ....كيف عرف أنها تتأمله بالساعات ؟!....أنها تجلس تتأمل يداه و هي تمر علي حروف كتابه البارزة ؟!....كيف عرف أنها تتوه في عيناه بالساعات ؟!....أنها تذوب في أبتسامته ؟!...
كيف تأملها ؟؟ ....أوشي بها أحد المتطوعيين ....و لكن لا لما قد يفعل أحدهم ذلك ؟!....أذا كيف ؟! ...و ما الذي جعله يقول ذلك ؟!....
تتذكر حتي الأن عندما ذهبت مسرعا في ذعر ألي الطبيب المختص تسأله ما أذا كان حقا فاقد لبصره كغيره من مرتادي الدار أم أنه يدعي ذلك أم أن حالته مختلفة ....
حاول الطبيب تهدئتها قائلا أن حالته هو دون عن غيره متأخرة جدا !!....و أنه لا علاج لها فهو لم يولد فاقد لبصره بل فقده في حادث مروع ....فقده تماما ....و لا علاج أو عمليات يمكنها أن ترجع له بصره المفقود ....
شعرت يومها أن كلام الطبيب يحمل في طياته أكثر من مجرد أجابة... يحمل تحذير ...و كأنه شعر بما يدور في عقلها ....شعر بما يحمله قلبها... شعر بما حاولت هي أن تخبيء....
و لكن ما فائدة التحذير الأن فهي تعشقه و بجنون و كيف لها أن تنساه الأن.... كيف لها أن تمحوه من عقلها و قلبها .... و ما الذي قد يدفعها لأن تفعل ذلك ....من المجنون الذي يرمي سعادته بيديه ؟!....
أحبته.... عشقته ....فأخذت في التقرب إليه ...و كم شعرت بالسعادة ...الدفء ....بالأمان الذي لم تشعر به ألا في أحضان أمها.... أحبته و شعرت بدقات قلبه المتناغمة مع دقات قلبها فكانا يقضيان الساعات سويا يتحدثان في كل ما قد يخطر لأحد علي بال و ما قد لا يخطر ....لم يفهمها أحد بهذه الطريقة من قبل ....لم يقبل أحد يداها بهذا الدفء ...لم يشعرها أحد بهذا الحب و هو ينظر ألي عيناها ....عرف الطريق إلي عقلها فوصل إلي قلبها .............و لكم أحبته !!.......
أحبت فيه الرجل الذي فضل العيش في هذا الدار بصورة مؤقتة حتي يجني مال منزله الخاص حتي لا يحمل أخته و زوجها مسؤليته ....لأنه لا يحب أن يشعره أحد بضعفه و عدم قدرته علي الرؤيا .....أحبت فيه هذا الرجل الذي كافح حتي يكمل دراسته حتي أصبح من أكثر من رأت ثقافة و عقلا ....أحبت هذا الرجل الوقور المهذب الرقيق.... أحبت هذا الرجل الكامل الذي لا ينقصه شيء !!....
ساعدته في بناء منزلهما ....فتعلمت ألا تعرض عليه يدها لترشده إلي طريقه بل تقدمها أليه عندما يطلبها هو ....إلأ تشير إلي أخته حتي تنصرف و هو غاضب بل تنصرف هي حتي يطلب منها الحضور ....تعلمت أن تنسي أنه فاقد لبصره فهي لم تشعر يوم معه بأنه لا يري ....فلقد كان يراها ....كان يري مستقبلهما معا ....كان يري نفسه بوضوح و ثبات....
هاهو كالعادة يقطع حبال أفكارها الغير متناهية
"لن تتوقفي عن هذه العادة أبدا ؟!" قالها مبتسما و هو يحمل يداها في يده
"عمري" قالتها و هي تقبل جبينه
مال عليها ثم همس في أذناها
"لا يهم فأنا أيضا أتأملك بالساعات و كم أنتي جميلة"....ء"

أطهر قصة حب في التاريخ.....!!!

نظر في كلا الأتجاهات...تأكد أن لا أحد هناك... حملها بين ذراعيه ....ثم دخل بها إلي منزلهما الصيفي المطل علي البحر ....وضعها علي سريرها الأبيض ....نظر إليها مطولا محاولا أستيعاب الموقف....
هاهو يستعد لأخذ حمام دافيء ....يخرج ليرتدي بدلته السوداء المفضلة ...البدلة ذاتها التي أرتداها ليلة زفافه... أحتفظ بها في هذا المنزل الصيفي حيث قضيا سويا أحلي أيام حبهما... حيث كان أول لقاء....حيث كانت بداية كل شيء ....بداية قصة حبهما ...حيث بدأت حياتهما سويا ....حيث بدأ كل شيء يجمعهما ....
أحتفظ بها حتي نساها و لكن هاهي تعود إلي الحياة أستعدادا للموت !!...
أهتم كثيرا بالتفاصيل و كأنه عريس ليلة عرسه ...فها هو يمشط شعره المبلل بعناية ...يضع الكثير من عطره المفضل ....
ينظر في المرأة يتفحص هيئته ...كم من سنوات مرت ؟!....كما تغير شكله عن أخر مرة نظر فيها إلي هذه المرأة و هو يرتدي البدلة ذاتها ؟!.... كم كبر ؟!.... كم نضج .؟!....كم كره نضوجه و كبرياه ؟!!!!......
نظر خلفه فوجدها مستلقاة في سلام تام....
خطوة تلو الأخرة ....بدي المشوار إليها بعيد رغم قربه.... يجلس بجانبها ينظر جيدا في عيناها .....نظر أكثر ....

ينظر....

يتأمل ....

يحاول الوصول ألي شيء...

من أنت ؟!.... أمرت كل هذه الأعوام و أنا أظن أنني أعلم من أنت.... الأن أعلم جيدا أنني لا أعلم من أنت.... من أنت ؟؟ !!....
من أنت ؟!....
أخذ يردد سؤاله يصرخ طالبا أجابة و لكن لا رد
أغمض عيناها ثم وقف...أعتدل في وقفته أمام المرأة


"سيدي القاضي حضرات المستشاريين ها أنا أمثل أمامكم لا كمحامي بل كمتهم... متهم أختار أن يكن محامي نفسه... أختار أن يدافع هو عن نفسه الأثمة ...فلا محامي علي وجه هذه الأرض الرخيصة يستطيع أن يتفهم ما أنا مر به أفضل مني... لا أحد يعلم وقائع ما حدث و أدق التفاصيل مثلي أنا ....لا رجل شعر بما شعرت أنا به ...لا أحد يعرفها مثلما عرفتها أنا.... لا يعرف محامي ما هو ملمس شعرها في ليلة صيفية حارة ....أو علي الأقل لا يعرف ما هو بالنسبة لي أنا....
أنا وحدي و وحدي سأتمكن من الدفاع عن نفسي الأثمة ...أنا الوحيد سيدي القاضي الذي في أستطاعته أن يلف حول عنقي حبل مشنقة العدالة و هو مرتاح الضمير... و هو يشعر بالأنتصار ....فلا محامي ميت تهمه سمعته !!....

سيدي القاضي المبجل اليوم أنا أمثل أمامك لا فقط كمتهم و لا فقط كمحامي بل كرجل فقد كرامته... كزوج فقد شرفه و عزته ...كرجل فقد زوجته و فقد معها قلبه و كبريائه ...فقد نفسه فلم يعد لها قيمة عنده ...
يهون علي أن تقوموا بشنقي دون حساب و لكني أشعر أنني لن أتمكن من الموت بسلام و كاهلي مثقل بكل هذا الحمل ...و أنا مظلوم و ظالم !!....
أريد أن موت عدلا... أريد أن أموت في سلام.... أريد أن يجد أبي و أمي في ما سأقص عليكم عزاء يصبرهما علي موتي مثل هذه الموتة البشعة....

سيدي القاضي أنا اليوم أمثل أمامكم و أنا في قمة السعادة و الرضا ....فلو لم أقتلها بيدي لقتلني ضميري و أنا علي قيد الحياة... كان يجب أن يموت أحدنا علي يد الأخر ....هي قتلتني فكان أبسط حقوق نفسي علي هو السعي وراء الأنتقام....

لكم سيصعب علي أهلنا و أصدقائنا أستيعاب ما حدث ...سيظلوا يحكوا و يتحكوا عن ماهية الأسباب التي دفعتني لما أقدمت عليه... و لكن سيدي لن يعرف أي منهم لما فعلت سبب مرضي و مريح...
فلم يكن هناك بينهم زوجان أسعد مننا... زوجان أنجح مننا ...و الأهم من ذلك زوجان متفاهمان و علي وفاق دائم مثلنا.....
قصة حبنا ظلت تروي لسنوات علي أنها قصة لا مثيل لها و نجاح زواجنا و توافقنا كان علي وشك أن يدرس في مدارس الحياة و يكتب في الكتب و المراجع
ظن الجميع ذلك بيما فيهم أنا ...حتي أنكشف الستار عما يخبأه الزمان لزوج ظن طوال هذه السنوات أنه يعرف زوجته أكثر مما تعرف نفسها
ظن الجميع ذلك بيما فيهم أنا حتي رأيت ما أتمنيأ، لم رأت عيناي ....ما أتمني أن يعود بي الزمان لأمحوه من ذاكرتي المرهقة....

حتي رأيتها هناك علي سريرنا الأبيض...

حتي رأيتها هناك علي سريرها الأبيض ....

حتي رأيتها هناك علي سريرهما الأبيض....

.......................في أحضانه....................
......................


هي كانت زوجتي ..كبريائي ..عمري.. أحلامي.. نفسي التي أحب ..كرامتي التي تألمني..
هو كان صديقي الوحيد.. أخي الذي لم تلده أمي ...ضميري الحي الذي يوجهني..

هي .....................عاهرة...
هو ...........................خائن..

هي......................................... قتلتني..
هو................................................ قتل...

تملكت أعصابي ...كتمت أنفاسي ...
خرجت من منزلنا ...
خرجت من منزلها...
و أنا حافي القدميين لا أعرف لي طريق ....عرفت بعد ذلك أنهم عثروا علي مغما علي في أحد الشوارع الجانبية في بداية طريق الأسكندرية القاهرة.... أي أنني مشيت كل هذه المسافة علي قدماي و أنا لا أشعر...
ها هي تجلس بجانبي تبكي ..... و أمي الطاهرة تحنو عليها بيدها الغالية...
يجلس هو ينظر إليها في أشفاق تام....
"مانامتش من أمبارح"

لا أندهش أنها لم تنم فوجودك يكفي كي لا تنم

أبتسمت
"متقلقش عليها حتنام ...حتنام لما تشيع"

"أيه رأيك نروحلنا الساحل يوميين كده... أنا محتاج أغير جوي و أنتي أكيد تعبتي نفسيا من اللي حصل... الضغط كان شديد عليكي و لازم أنتي كمان تغيري جوي و ترتاحي و أرتاح أنا كمان !"

"مممم طيب يوميين بس عشان أنت عارف يا حبيبي ورايا شغل كتير"

نعم أعلم ...أعلم ما ينتظرك و لا تستطيعيين البعد عنه لأكثر من يوميين... أعلم السبب وراء هذه اللهفة... أعلم الأن لما كانت تلمع عيناكي عند لقائه ...

الأن أعلم كل شيء....

الأن أجهل كل شيء...

نعم ألححت عليها أن ترتدي نفس الفستان السماوي الذي رأيتها به لأول مرة ....نعم كرهته بعد ما كان أحب ملابسها ألي قلبي....نعم علمت لما كرهته ....و نعم أصررت أن ترتديه رغم أن لونه لم يعد سماوي... رغم كرهها له .....رغم كل شيء.... نعم أصررت !!....
نعم أجبرت نفسي علي أرتداء ما كنت أرتدي يوم قابلتها لأول مرة... نعم لم يعد كما كان.... نعم كرهت أرتدائه ....نعم كرهتها ...و لكني أجبرت نفسي علي أرتداء نفس الزي الذي أحببت و كرهت...

وقفنا سويا أمام شاطيء البحر الهاديء علي عكس قلبي...كم تمنيت أن تعترف لي بأثمها ....أن تبكي بين أحضاني طالبة المغفرة ...أن تقل لي لما حدث مأ حدث............... لما هو ..........لما أنا ......................لما نحن.................
أن تبكي لتغسل عارها ....أن تبكي و تطلب مني أن أعطيها فرصة للتوبة....
لربما وقتها وجدت الشجاعة الكافية لكي أتركها تعود لأحضانه و أنا مستسلما....
لربما وقتها وجدت الشجاعة الكافية لأن أطلق سراحها .....لأن أطلقها.....

و لكنها لم تبكي ....لم تطلب ....لم تغسل عارها..... فلم أجد شجاعتي التي قتلت....
و لكني وجدت يداي تمددان لرقباتها ....وجدتهما تحنوان عليها .....وجدتهما تلمسانها في رفق .....ثم تقسوان عليها في ألم....
أردت أن تخرج روحها من جسدها الأثم....
أردت أن تخرج روحها لربما أجد فيها شجاعتي التي قتلت....
خرجت و لكن لم أجد شجاعتي.... فندمت علي تنجيس يداي بلمس رقبتها !!.....


هو ....هو فلتتولي كلاب الصحراء أمره...فلا يوجد سوي كلاب الصحراء التي تحب اللحم المر المقزز ....

سيدي القاضي حضرات المستشاريين كنت يوما رجل أصبحت لا شيء ....كنت زوج أصبحت ستار .....كنت ناجح أصبحت تراب .....كنت هي و و أسفاه ليس بيدي فعل شيء لتغيير ذلك....

سيدي القاضي
لا لن أستطيع أن أمثل أمامكم !! ...
لن أستطيع أن أروي قصتي لكم !!...
لن أستطيع أن أدنس ما بقي منها !!...
لن أستطيع أن أقتل ذكرها الطاهرة ...قصة حبنا الخالدة... زواجنا المقدس !!...
لن أستطيع أن أكون الضحية !!.....

فلتكن قصتنا خالدة طاهرة و محببا لا يشوبها شائبة سوي أثمي و جريمتي

سوي النهاية الحزينة........."

بووووووووووومم