تطوي أخر صفحة في كتابها المفضل ....ثم تنظر ألي السماء الصافية من فوقها... متي كانت أخر مرة طوت فيه صفحة هذا الكتاب و أين ؟! ....أنها لا تذكر سوي أنه مرت أعوام كثيرة منعتها فيها أعباء الحياة و مشاغلها من أن تتشبث بأوراق كتابها المفضل و تعيد الأستمتاع بها .....أن تذهب معها ألي عالم أخر ....أكثر صفاء و نضوج.... أكثر كمالا ....أكثر حزنا ....نعم.... لقد كان كتابها المفضل بل كل كتبها المفضلة حزينة.... و لكنها كانت دائما تقرأها و البهجة تملأ نفسها .....تقرأها و هي تبتسم ....غريبة هي ....لطالما وجد كل من حولها تصرفاتها غريبة ....بل وجدوها هي نفسها غريبة ....و لكنها لم تهتم ....و لما قد تهتم بما يقوله الأخرون عنها ....فهي منذ بدأ الأمر و هي تعلم أنها غريبة و تفخر بذلك ....
هي .....رأت نفسها أكثر غرابة من أن تكن منهم .....
أختلفوا في التقييم..... و لكن النهاية كانت واحدة ....فرضي الجميع و صمت..... و ما كانت هي لتتعجب من النهاية المكررة .....
أه تذكرت.... أخر مرة طوت فيها هذه الصفحة كانت في حجرتها .....أنهتها و هي تبكي.... نظرت ألي أعلي و دعت الله أن يكون غدا يوم جديد .....أن يكون يوم أفضل من اليوم.... يوم أفضل من الأمس ....من الماضي... من ما سبق من عمرها ....أن يكون يوم جديد يحمل في طياته عبير الأمس و الذكريات....
لطالما كانت لحوحة ....طلباتها كثيرة.... حتي في دعائها ....كانت تطلب الكثير .....تذكر التفصيل الدقيقة لكل شيء تريد.... ثم تتمني أن يكون الحال كما تمنت..... أهل هذا هو سبب هرب الجميع من صحبتها ....لأنها تتوقع الكثير ....تنتظر الكثير .....أم أنها حقا غريبة لدرجة لا تطاق أو تحتمل ؟!.....
لطالما تسألت و ما العيب في أن تتوقع الكثير عندما تكون أنت في الأصل تعطي الكثير .....الكثير من الوقت ....الكثير من الجهد .....الكثير من الكثير ....و لكن مع الوقت نضجت لتستوعب أن من يعطي يجب ألا ينتظر مقابل لما يعطي ....لا قليل و لا كثير ....يجب ألا ينتظر شيء.... و أن يرضي بما يحصل عليه ...و لكن بالوقت الذي أستوعبت فيه ذلك كانت قد أضاعت من عمرها الكثير و هي تبكي علي ما لم تحصل عليه...
جلست في صمت تتأمل البحر من أمامها.... أشدت الرياح الشتوية الباردة ...لكم تمنت في هذه اللحظة أن يكون أحد ما يجلس في هذه المساحة الفارغة بجانبها.... لكان حقا جميلا أن تجد شخص يمنع نفاذ هذه الرياح الشتوية الباردة ألي جسدها.... أن يحميها من هذه الرياح الشتوية الباردة... و لكن ما الفائدة فلطالما حاولت هي مررا حماية نفسها منها و فشلت.... حتي أصبحت تقنع نفسها أنها تحب أن تشعر بالسقيع علي أن تشعر بالدفء ....كانت تعلم أن هذه هي حالة النكران التي تنكرها ....
أن تقول أنك لا تحب ما لم تحصل عليه من قبل حتي تحب ما في يديك....حتي لا تشعر نفسك أنها قد فاتها الكثير.... أن تقنعها بالرضا حتي لا تتطوق ألي ما لا تملك.... كانت هذه هي ....أقنعت نفسها بأنها تحب البرد و تفضله عن الدفء الذي لم تعرفه من قبل ....و لكن لو أن أحد ما حملها بين يديه و أعطاها هذا الدفء لما رفضت ذلك علي الأطلاق.... بل لكانت حقا أحبت هذا الأحساس ....لكانت أحست و لأول مرة بالأمان....
تذكرت لم تكن هذه هي أخر مرة قرأت فيها هذا الكتاب.... بل كانت أخر مرة و هي تجلس علي كرسيها المفضل.... هذا الكرسي البالي الذي طالبها والديها بالتخلص منه ....بكت كثيرا عندما رجت ذات يوم ووجدت أمها قد تخلصت منه بالفعل ....صارت تبكي و تصرخ في وجه الجميع أرجعوووووووووووووووه ......مضي علي هذه الواقعة سنين نست أن تعدها ....ما هذا ؟ّ! .....لماذا تتعلق بمقتنياتها بهذا الشكل الهستيري ؟ّ!.... لم تلاحظ ذلك سوي الأن... أنها بالفعل متمسكة تمسك غريب بكل مقتنياتها البالية منها قبل السليمة ....القبيحة قبل الجميلة.... بل البالية منها و لا السليمة.... القبيحة و لا الجميلة.... ألهذا معني ؟! ....ألهذا علاقة بها ؟! ....ألهذا معني ؟! لماذا الفلسفة حتي في أبسط الأمور ؟!....أنها فقط تحب أشيائها و تحس تجاههم بالوفاء ...ألهذا معني ؟!.... ألهذا علاقة بثقتها بنفسها الشبه معدومة ؟!....و ما علاقة ثقتها بنفسها بذلك ؟!....
لقد كانت دائما تخاف في كل يوم يمر عليها مع أحد غالي عندها أن تجده في اللحظة القادمة يتخلص منها ....يلقيها كما ألقت أمها كرسيها المفضل.... لقد أحست بالشفقة علي نفسها تماما كما أحست بالشفقة علي كرسيها القديم البالي..... أليس هذا غريبا ؟! ....و ماذا فيها ليس بالغريب ؟! ....
ألهذا معني ؟!.... لا كل ما في الأمر أن كرسيها المفضل ذهب و الأن عليها أن تجد كرسي بالي أخر لتجعله المفضل عندها .....أيمكن أت تجعل هذا الكرسي المطل علي البحر كرسيها المفضل ؟!....ولكن كيف ذلك و أن كان قبلها كل عابر طريق جلس عليه ....و من بعدها كل عابر طريق سيجلس عليه ...ما الذي بعد كل ذلك قد يجعله مفضل عندها ؟! ....كما أنه أيضا جزء من تعلقها بمقتنياتها ووفائها لها هو ألا يحل غيرها محلها في قلبها ...
مرت لحظات و هي تجلس في صمت ....تري ما السبب في أنها كلما خلت ألي نفسها تفكر في عيوبها ...في كل ما هو حزين.... تري ما السبب في أنها دائما تختار الكتب الغريبة للأدباء المغموريين ؟!!....أظنت أنها بذلك تعطيهم فرصة ؟!...أم تعطي لنفسها أمل في أن كل ما هو مغمور ليس كذلك علي الأقل في نظر أحدهم ؟!....أنها يمكن أن تكون أستثناء القاعدة....
ماذا تحاول أن تقول لنفسها ؟! ....ماذا تحاول نفسها أن تقول لها ؟! ....
فلتفتح أول صفحة في كتابها المفضل.... فلتقرأه مجددا ......لعلها و هي تطوي أخر صفحة فيه تجد الأجابة..... ء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق